لم ير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلا مناماً بفؤاده، والرؤية بالفؤاد: هي التي تفسر لنا أنه رآه مرة في المنام في الدنيا، ومرة عند سدرة المنتهى وإذا قلنا: إن موسى -كليم الله- قد سأل ربه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يراه، ومع ذلك قَالَ: ((لَنْ تَرَانِي))[الأعراف:143].
ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن أحدكم لن يرى ربه -عَزَّ وَجَلَّ- حتى يموت} فهذا مما يدل عَلَى أنه لا يرى أحد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الدنيا ولو كانت الرؤيا ممكنة فلماذا نقول: لم يره موسى عَلَيْهِ السَّلام؟ فهو لما منع من الرؤية، قال الله تَعَالَى له:((لَنْ تَرَانِي))
وكان من الممكن أن يعوض عنها في المنام؛ لأن رؤيا الأَنْبِيَاء عليهم السلام حق ووحي.
فإذا جَاءَ في آخر الزمان رجل وقَالَ: أنا أرى الله -عَزَّ وَجَلَّ- وصدقناه فقد قلنا: إنه يحصل له مالم يحصل للأنبياء، وكذلك نفهم من إطلاق حديث: {إن أحدكم لن يرى ربه عز وجل حتى يموت} أنه لن يراه في الدنيا أحد، ويدل عَلَى هذا أيضاً اختصاص المؤمنين برؤية الله في الجنة.
وهناك كتاب اسمه الرؤى والأحلام تأليف الشيخ أحمد عز الدين يقول فيه: "اتفق العلماء عَلَى أن الصالحين يرون الله تَعَالَى في المنام" فقوله: "اتفق العلماء" هذه كلمة عظيمة وخطأ كبير فاحش، لا يجوز أن يقَالَ: وقع الاتفاق، وإنما وقع في كلام بعض العلماء ما قد يشعر بذلك، ولكن لو عرضنا ذلك عَلَى الأدلة الصحيحة -كما سبق- لما ثبت من ذلك شيء، ونقول: يكفينا أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين أنه رأى ربه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في المنام، ولو أن أحداً حصلت له وكانت رؤيا حقيقة أي: مناماً حقيقياً وليست تلبسيات شيطانيه لشارك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.
فنقول: إنه لا يصح أن أحداً رأى ربه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - في المنام، وما قاله بعض العلماء فإنه عَلَى سبيل التنزل مع أصحاب التصوف وأمثالهم، ولعله يأتي لها موضع آخر نبسط الكلام فيه -إن شاء الله-
أما قوله تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا)) [طـه:124] فالإعراض عن ذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقع من الكفار: وهو الإعراض الكلي، ويقع من الْمُسْلِمِينَ: وهم العصاة، وهو إعراض جزئي، فبقدر الإعراض عن ذكر الله تكون الشقاوة، والإعراض الكلي يسبب الشقاوة الكلية، كما هو حال أهل الكفر اليوم، والإعراض الجزئي يسبب الشقاوة الجزئية كما قال بعض السلف: "إني لأرى أثر معصيتي في خُلق خادمي ودابتي".
فالإعراض عن ذكر الله، والمعصية بصفة عامة يظهر أثرها عَلَى الإِنسَان في الدنيا بقدر ما يكون إعراضه، ولا ينافي ذلك أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يستدرج بعض النَّاس ويمدهم بأموال وبنين، ويظنون أنهم يسارع لهم في الخيرات، وليس هو بمسارعة في الخيرات وإنما هو استدراج.

ثُمَّ يقول: "لعل النَّاس لم يختلفوا في شيء كما اختلفوا في شأن الإسراء والمعراج" وهذا كلام غير صحيح! أين الخلاف الذي وقع؟ فالذين خالفوا في الإسراء والمعراج -كما أوضحنا- هم أهل ضلال، وإذا قامت عليهم الحجة، وكذبوا بالإسراء والمعراج، فإنهم كفار مرتدون؛ لتكذيبهم لما ثبت في الكتاب والسنة وهذه العبارة ليست في محلها.
ومن المهم في ذلك ما قال في صفحة (84، 85) ومعناه: "إن الأمر يشكل عَلَى بعض النَّاس فيقولون: وهل لله -عَزَّ وَجَلَّ- مكان يعرج إليه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انظروا إِلَى العقول القاصرة!!
إذا أراد أن يتكلم عن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكأنما يتكلم عن أي مخلوق، أو عن أي أحد منَّا، فَيَقُولُ: "هل لله مكان يعرج إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! ثُمَّ يجيب، فَيَقُولُ: إن الله تَعَالَى ليس بعيداً عن رسوله حتى يقطع للقاءه هذه الأبعاد الشاسعة في السماوات العلى، بل هو معه حيث ما كَانَ وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ بل قريب من عباده جميعاً" وإذا كَانَ قريباً منهم جميعاً فلماذا الإسراء والمعراج؟ وما فَضْل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما هو اختصاصه، انظروا إِلَى الاضطراب كيف يقع!!
ثُمَّ جَاءَ بالآيات ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ))[البقرة:186] ثُمَّ أخذ يبين المجموعة الشمسية والسماء وما إِلَى ذلك من كلام لا ضرورة له أصلاً.
والمقصود أن هذا الكاتب خلط بين المعيتين: المعية العامة، والمعية الخاصة، وخلط في العلو، فلم يستطع عقله أن يوفق بين إثبات علو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما أخبر وبين معيته، ولذلك فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما عرج به، بلغ تلك المنزلة التي لم يبلغها أحد أبداً فلو كَانَ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قريب من جميع الخلق بذاته فما وجه الاختصاص للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعندما عُرج به إِلَى السماء كَانَ قريباً من ذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والمعية الخاصة هي بمعنى: النصر والتأييد والتوفيق، وهذه ثابتة للمؤمنين، وأخصهم في ذلك الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم)) [الحديد:4] ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب)) [البقرة:186] هذه المقصود بها: قرب النصر والتأييد والإجابة -إجابة الداعي إذا دعاه- فهو قريب من المؤمنين بهذه الحال، وبعيد عن الكفار أي أنه لا يسمعهم ولا يستجيب لهم أبداً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأنه قَالَ: ((وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)) [الرعد:14] هذا بالنسبة لمعيته ولقربه، أما ذاته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهو كما أخبر أنه فوق العرش -فوق المخلوقات- في السماء
.